الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه .
أما بعد:
فقد كثر السؤال عن استقدام الخادمات والمربيات والمعلمات ، وعملهن داخل البيوت ، وفي دور التربية والحضانة وروضات الأطفال ، كما كثر تناقل ما تفعله الجمعيات من اليهود والنصارى والمشركين في بلادهم ، كما في أمريكا ، وبريطانيا ، وأستراليا ، وكندا ، وروسيا ، وهولندا ، والولايات الأخرى التي تحاول عمل ما يصرف المسلمين عن أصل دينهم ، حيث تحتضن الأطفال الذين فقدوا آباءهم أو من يعولهم ، وقد جعلت لها مراكز في البلدان النامية ، مثل: مصر ، والسودان ، والسلفادور ، وهندوراس ، وكينيا ، وأوغندا ، والفلبين وغيرها . وهكذا الدعاة المنصرون الذين يغزون البلاد الفقيرة ، وينتهزون حاجة أهلها وعجزهم ، فيفتحون بها مدارس ومعاهد ومستشفيات ، ويحرصون على تنشئة الأطفال على أيديهم ، ويتصرفون في المناهج العلمية ، ويربون أولاد المسلمين كما شاءوا ، ويلقنونهم عقائدهم الكفرية ، وأديانهم المنحرفة ، ولقد نجحوا في كثير من مخططاتهم ، وأضلوا أعدادا وأفرادا وجماعات كثيرة من ناشئة المسلمين ذكورا وإناثا . وهكذا ما يفعله الكثير من المسلمين المعجبين- وللأسف- بالكفار وعلومهم ، حيث يبعثون أولادهم وفلذات أكبادهم من ذكور وإناث إلى تلك الدول المتقدمة -كما يعبرون- قاصدين منهم التربية والتدريب ، وتعلم لغاتهم الراقية في زعمهم؛ فلا تسأل عن آثار ذلك ومفاسده ، وأقرب ذلك وأشهره ما تؤثره تربية المستقدمين إلى بلاد المسلمين كالنساء اللاتي يتولين تربية الأطفال وحضانتهم ، وكالمدربين والمعلمين في المدارس والمنازل ، من أولئك الأعداء الألداء الذين يضمرون العداء للإسلام وأهله ، ويحملون مذاهب هدامة ، أو كفرا بواحا ، أو بدعا منكرة مكفرة أو مفسقة ، قد أشربتها قلوبهم .
ولا شك أن كل أولئك على يقين من صحة ما يدينون به وأحقيته ، رغم بعد ذلك عن الصواب ، ولكنهم تربوا على تلك الأديان منذ الطفولة ، وتلقوا عقائدهم الزائفة عمن يثقون بنصحه ، ولقنهم آباؤهم ومعلموهم ما يؤكد لهم صحتها وسلامتها ، وبطلان ما سواها ، فتمسكوا بتلك المذاهب والنحل وعضوا عليها بالنواجذ ، وزين لهم الشيطان أن الصواب في جانبهم ، وأنهم على عقيدة صحيحة الأصول ، قويمة الأدلة ، تلقوها عمن يثقون بعلمه ونصحه ، فلهذا يندر أن يتخلوا عن معتقداتهم ودياناتهم ، وكيف يتحولون عن مذاهب ومعتقدات تقلدوها عن أسلافهم ومشايخهم الذين هم محل ثقة عندهم وإجلال وإكبار ، فلا يتصورون أو يخطر ببال أحد منهم أن يصدر خطأ أو ضلال أو انحراف من أفراد علمائهم فضلا عن جماعتهم .
ولا شك أن أولئك الوافدين مع رسوخ تلك العقائد في نفوسهم ، ومع تمكنهم من إظهارها والدعوة إليها ، متى أمنوا الضرر فلا بد أن يحرصوا بكل ما أوتوه من جهد على نشر دياناتهم ، وترسيخها في نفوس من يتولون تعليمه محتسبين في ذلك الأجر والثواب ، كما قال الله عنهم: ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾[ سورة الكهف الآية 104 ].
لكن الدعاة إلى دين الإسلام الصحيح ، وعقيدة السلف الصالح ، يرجون من الله ما لا يرجو هؤلاء من التعليم أو التربية أو الحضانة .
فلا تسأل عما يقومون به من بث سمومهم ، ونفث شرورهم في أذهان من يحتكون بهم ، أو يتولون تنشئتهم وتعليمهم ، فيتلقن أولئك الأطفال والجهال ما يلقيه عليهم أولئك المربون والمدرسون من عقائد منحرفة ، وبدع منكرة ، مسلمين بصحتها ، محسنين الظن بأساتذتهم ومشايخهم الذين اختارهم أولياء الأمور لهم ليتربوا على أيديهم ، فيصعب بعد ذلك تخلي أحدهم عن هذه التوجيهات والتعاليم التي نشأ على استحسانها في صغره ، ويخيل إليه أن من خالفها فقد خالف الصواب ، ولو كان من آبائه وإخوانه أو المواطنين معه إلا من شاء الله تعالى .
فلا جرم أحببت أن أكتب كلمات حول هذا الموضوع تحت هذه العناوين:
شفقة الآباء ورحمتهم بأولادهم :
لا شك أن الإنسان العاقل يهمه صلاح أولاده واستقامتهم ، ويتمنى سلامة فطرهم ، ويسره تمسكهم بالحق وسيرهم على الصراط السوي ، وتخلقهم بمعالي الأخلاق وفضائل الأعمال ، وعملهم بتعاليم الدين الصحيح ، ويستاء ويشق عليه متى رآهم منحرفين ضالين قد خالفوا سنة الله تعالى وشرعه ، وتنكبوا الطريق السوي ، وارتكبوا المآثم وفعلوا الجرائم .
ولقد جبل الله الوالدين على محبة الأولاد والشفقة عليهم والرحمة بهم ، وإيثارهم بالمصالح والملذات في هذه الحياة الدنيا ، والخوف عليهم من أسباب العطب والهلاك ، فقد حكى الله تعالى عن نوح عليه السلام نداءه لابنه الذي عصى عليه ، فقال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾[ سورة هود الآية 42 ]. وبعد أن خرج الابن عن طاعة أبيه وتمرد عليه ، لم يغفل عنه بل دعا ربه أن ينجيه بقوله: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ﴾ [ سورة هود الآية 45 ] . فهو يتذكر أن ربه تعالى وعده بنجاة أهله بقوله: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ [ سورة هود الآية 40 ] . فظن أن ابنه من أهله الذين وعد الله بنجاتهم ، ولكن الله تعالى عاتبه بقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ [ سورة هود الآية 46 ] أي: الذين وعدناك بنجاتهم . فعرف من هذا شفقة الوالد على ولده ولو كان عاصيا له وخارجا عن طواعيته . وهكذا ما حكى الله تعالى عن إبراهيم -عليه السلام- مما يدل على شفقته وخوفه على ولده ، ففي مقام الطلب والرجاء لما قال الله تعالى له: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [ سورة البقرة الآية 124 ] .
فلم يغفل عن ذريته لما منحه الله هذه الإمامة التي هي جعله قدوة وأسوة لمن بعده من الناس الذين هداهم الله للإسلام ، فلما وعده ربه بهذه الإمامة لم يغفل عن ذريته؛ لحرصه على صلاحهم ، وأهليتهم لأن يكونوا قدوة للناس في أمر الدين الصحيح . وهكذا حكى الله تعالى عنه دعاءه لربه بقوله: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [ سورة إبراهيم الآية 40 ]. فما غفل عن ذريته بل أشركهم مع نفسه في هذه الدعوة الصالحة ، بأن يجعله مقيما للصلاة ، محافظا عليها ، وكذا ذريته؛ لما لها من أثر بليغ في صلاح الذرية واستقامتهم . وكل هذا دليل كمال الشفقة والرقة والرحمة للولد ، ورجاء أن يستقيموا على الخير ، ويسلكوا الصراط السوي المتمثل في إقامة الصلاة ، وما تؤثره من ثمرات وأعمال صالحة .
وهكذا في مقام الخوف ، فقد حكى الله تعالى عنه عليه السلام قوله: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [ سورة إبراهيم الآية 35 ]. فلم يقتصر في طلب النجاة من الشرك على نفسه ، بل أشرك بنيه ، فطلب نجاتهم من عبادة الأصنام؛ لما رأى من ضلال الكثير- كأبيه وقومه- بعبادة تلك الأخشاب والأحجار التي ينحتونها ، ثم يظلون لها عاكفين ، تقليدا لآبائهم وأسلافهم . وهكذا مدح الله تعالى إسماعيل -عليه السلام- بقوله: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ [ سورة مريم الآية 55 ]. والأمر منه يستدعي الطلب والحرص على التطبيق منهم للصلاة التي هي عماد الدين ، والتي ذكر أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والزكاة وهي حق المال .
وقال الله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ﴾ [ سورة البقرة الآية 132 ] إلى قوله: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ سورة البقرة الآية 133 ]. فهذا كله من تمام الحرص والشفقة على القريب الأدنى قبل البعيد من أنبياء الله تعالى ورسله ، وهم القدوة والأسوة لمن بعدهم ، فالأمر لهم يعم كل من دان بدينهم من أتباعهم . وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [ سورة طه الآية 132 ]. عن ابن أبي حاتم بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يوقظ أهله لصلاة التهجد بالليل ، ويتلو هذه الآية الكريمة . فإن ظاهرها يعم صلاة الفرض والنفل .
ويدخل في الأهل: الأولاد والخدم والزوجات ومن تحت كفالة الإنسان ، كما ذكروا ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾[ سورة التحريم الآية 6 ] يعني: أنقذوهم وخلصوهم من الكفر والبدع وكبائر الذنوب وصغائرها ، مما يسبب العقوبة الأخروية بدخول النار التي وقودها الناس والحجارة . فوقايتهم تستدعي الحرص على تربيتهم ، وتهذيب أخلاقهم ، وتلقينهم في الصغر ما يعرفون به ربهم ودينهم ونبيهم وما يلزمهم أن يدينوا به في هذه الحياة ، وبيان الحسنة والسيئة ، وأسباب كل منهما . فالوالد والولي الناصح يبذل جهده في تقويم موليه ، وفي نصحه وإرشاده ، وتحريضه على الخير ، وتحذيره من العاقبة السيئة؛ ليكون سببا في نجاته وفلاحه ، كما أن الله تعالى قذف في قلبه الرحمة التي تستجلب الرقة والشفقة في الدنيا ، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الحسن ، فقال الأقرع بن حابس : إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « إنه من لا يرحم لا يرحم »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم ناس من الأعراب فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ لكنا والله ما نقبل . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « أو أملك أن كان الله نزع منكم الرحمة » وفي لفظ: «أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، وفي حديث أسامة بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رفع إليه ابن بنته ، ونفسه تقعقع ، ففاضت عيناه -صلى الله عليه وسلم- وقال: « هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) فهذه الرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب الآباء يكون من آثارها الشفقة عليهم ، والحرص على إيصال الخير إليهم ، ودفع الشر عنهم ، سيما وقت الطفولية والحاجة ، وتستمر حتى الموت غالبا . فمتى كان يحب لهم الصحة والسلامة والبعد عن العطب والضرر فإن عليه أن يحرص على تقويم أولاده وتهذيب أخلاقهم ، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في الدار الآخرة ويوصلهم إلى رضوان ربهم سبحانه وتعالى .
ما ورد في الأولاد وتأثيرهم على الآباء :
يشاهد أن الرجل متى رزق أولادا من ذكور أو إناث فإنه ينشغل بشأنهم ، ويهتم بتحصيل الرزق ، ويسعى في جمع المال ، ويكدح ويشقى في الطلب والتكسب ، وينشغل بذلك عن التعلم والتفقه ، ويؤثر البقاء والمقام معهم أو بقربهم ، ولو فاتته الفضائل والأعمال الصالحة ، فقد روى الترمذي([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) عن عمر بن عبد العزيز قال: زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قالت: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول: «إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون ، وإنكم لمن ريحان الله » قال الترمذي : " لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا من خولة " أي: فهو منقطع ، لكن عمر جزم به ، وقد لقي في المدينة من روى عن خولة يقينا ، ومعناه أن محبة الولد تحمل أباه على البخل بالمال ، والحرص على جمعه؛ ليخلفه لولده ، أو لينفقه عليه في حياته ، وكذا على الجبن الذي هو ضد الشجاعة ، فلا يخرج للجهاد خوفا من القتل وضياع أولاده ، فإن خرج لم يكن معه الجرأة على الإقدام ، وكذا على الجهل لإكبابه على التكسب ، والانشغال بالتجارات أو الحرف ، أو الأعمال التي يتحصل منها على المال ، فيبقى على جهله ، ويفوته التعلم والتفقه في الدين . وقوله: «وإنكم لمن ريحان الله» أي: كالريحان الذي هو طيب الريح؛ لأنهم يشمون ويقبلون ، فكأنهم من جملة الرياحين ، فقد روى الترمذي([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) عن أنس «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه» ، وروى الطبراني في الأوسط([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) عن أبي أيوب قال: «دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحسن والحسين يلعبان بين يديه ، فقلت: أتحبهما يا رسول الله؟ قال: وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما» ، وروى البزار([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الولد ثمرة القلب ، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة» ، وروى أيضا عن الأسود بن خلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حسنا فقبله فقال: «إن الولد مبخلة مجهلة مجبنة»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، وروى الإمام أحمد([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) عن الأشعث بن قيس قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « هل لك من ولد؟ » قلت: غلام ولد لي في مخرجي إليك ، ولوددت أن مكانه شبع القوم . قال: « لا تقولن ذلك ، فإن فيهم قرة عين ، وأجرا إذا قبضوا ، ثم إنهم لمجبنة محزنة ، إنهم لمجبنة محزنة » ، وعن يعلى بن مرة الثقفي قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فضمهما إليه ، وقال: « إن الولد مبخلة مجبنة »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نبه الأمة على ما هو أمر طبيعي واقعي من أن الآباء في الغالب يتصفون بالجبن والبخل؛ لتأثير محبة الولد ، والشفقة عليه ، فإذا كانت محبة الولد ركيزة في القلب ، وظهر أثرها في العمل ، بشدة الطلب والجمع والتكسب ، ثم الإمساك والتقتير على النفس وعلى الأهل والضيف ، والتوقف عن الإنفاق في وجوه الخير ، فإن من الواجب والمؤكد أن يعنى الوالد بولده في التهذيب والسعي في الإصلاح ، والتعهد في الصغر وبعد الكبر؛ ليكون قرة عين لأبويه ، وتثمر التربية الصالحة بالاستقامة والبعد عن الانحراف والزيغ .
أسباب كثرة الانحراف في الشباب :
المشاهد في هذه الأزمنة وقوع انحراف الكثير من الشباب عن الاستقامة ، وانهماكهم في الفساد ، وانغماسهم في الشهوات التي أردت بالكثير منهم ، وجلبت لهم الشرور والأضرار ، فعاثوا في الأرض فسادا ، وأضاعوا الصلوات ، وتعاطوا المسكرات والمخدرات ، ولذلك أسباب ومغريات (منها) الإهمال من الآباء والأولياء ، فإن أغلب الآباء- هداهم الله- منشغلون عن أولادهم ، فأحدهم يذهب إلى وظيفته أو مقر عمله كل صباح ، ويرجع آخر النهار ، وقد لا يرجع إلى منزله حتى يؤويه المبيت ، فيتقلص النهار وهو في تقليب تجارته أو حرفته وصناعته ، أو في زياراته واتصالاته بأصدقائه ورفقائه ، فلا يبقى لأهله إلا أقل الوقت وآخره ، فهو لا يتفرغ لأهله ، ولا يتفقد أعمال ولده ، ولا يحدث نفسه بما يحصل لهم من بعده ، فإما أن يكل تربيتهم إلى الخدم والمعلمين ، وإما أن يهملهم ويترك لهم الحبل على الغارب ، بحيث يتمكنون من الذهاب والتقلب كيف شاءوا ، والاختلاط بأهل الفساد والمعاصي ممن يزين لهم الوقوع في المسكرات ، وتعاطي المخدرات ، وشرب الدخان ، وسماع الأغاني ، والعكوف على النظر إلى الصور الخليعة ، والإكباب على الأفلام الهابطة ، والتمثيلات الماجنة ، فتفسد أخلاقهم ، وتنحرف طباعهم ، فتثقل عليهم الصلوات ، ويستصعبون حضور الجماعات ، ويهون عليهم أمر جميع العبادات ، ويعتادون غشيان المحرمات ، وينهمكون في الفساد ، وينغمسون في اقتراف الفواحش والمنكرات ، فلا ينتبه ولي أحدهم إلا بعد أن تتمكن من ولده تلك العادات السيئة ، وتصبح ركيزة في نفسه ، يندر أن يقلع عنها مهما بذل والده من النصح والتوجيه ، والتحذير والتخويف والتهديد ، ومهما فعل من الضرب والحبس والتعزير ، فيندم الأب ولات حين مندم ، ويعض كفه على ما فرط منه من الغفلة والإهمال .
مع أن الكثير من الآباء وأولياء الأمور قد يغفلون عن أولادهم ، وينشغلون بحرفهم وأعمالهم ، فيصلح أولادهم ، وتتولاهم عناية الله ، ويحفظهم ربهم عن الأخطار والأضرار: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [ سورة الأعراف الآية 178 ].
كما أن من أسباب هذا الانحراف في الشباب سوء التربية ، فإن الكثير من الآباء قد يتنزل على رغبة أهله وولده عندما يتضجرون أمامه ، ويشتكون الفراغ والتحجر والتضييق ، ويطلبون منه ما يسليهم ويفرج عنهم الهموم والأحزان ، ويشغلهم عن التفكير والتعقيد والانزواء ، فيرغبون إليه في جلب ما يرفهون به عن أنفسهم بزعمهم ، ويجلب لهم الفرح والانبساط ، ويضربون له الأمثال بفلان وآل فلان ، فينخدع بتعليلاتهم ، ويحزنه بكاؤهم وشكاياتهم ، فيلبي طلباتهم ، ويبذل لهم ماله رخيصا ، فيجلب لهم ما يفسد أخلاقهم ، وما يصدهم به عن سواء السبيل ، من آلات اللهو واللعب وأجهزة الأغاني وأشرطة الفيديو والكاسيت ، ومن الصحف والمجلات الفاسدة .
ولا تسأل عما في طياتها من خلاعة ومجون ودعارة وفساد ، وما تزرعه في نفوس الأولاد والأهل ذكورا وإناثا من ميل إلى الدعة والخمول ، والانقطاع عن الأعمال ، ومن اندفاع إلى اقتراف الفواحش ، وارتكاب المحرمات التي تمثلها لهم تلك الأفلام والأشرطة والصور الفاتنة ، حيثما يشاهدون فيها الصورة الفاتنة ، والمرأة المتبرجة شبه العارية ، وصور الشباب أمام النساء ، وما بها من حلق اللحى ، وشرب الدخان .
ولا تسأل عن تأثير هذه المرئيات والمسموعات في قلوب الشباب ، على غفلة من الأب أو الولي ، زاعما أن هذا من باب التسلية والترفيه ، وتنشيط النفوس ، وإزالة السآمة والملل ، ونحو ذلك من الأعذار الباردة ، ولم يشعر أن الذين نشروا هذه الملاهي ، وصوروا هذه الأفلام في هذه الآلات والأجهزة ، لهم أهداف سيئة زائدة على هدف الاستغلال ، واكتساح الأموال ، فإنهم قد عرفوا أن المسلمين من العرب وغيرهم ذكورا وإناثا عندهم من الفهم والإدراك ، وقوة الذاكرة ما يمكنهم من معرفة الصناعات ، والقدرة على الاختراع ، والإنتاج الفكري والعملي ، بحيث يستغني المسلمون عما يستوردونه من إنتاج أولئك الكفرة من الصناعات والأجهزة والأدوات . . . إلخ ، فتكسد سلعهم ، أو يقل من يحتاج إليها ، مما يضعف اقتصادهم ، ويقلل من الاحتياج إلى إنتاجهم ، فلعل هذا من أشهر مقاصدهم ، فانشغل به شباب المسلمين والعرب ، وصيروه شغلهم الشاغل ، فضاعت أعمارهم فيما لا أهمية له ، أو فيما فيه هلاكهم المعنوي وهم لا يشعرون .
كما أن من أسباب الانحراف كثرة المفسدين ودعاة الضلال الذين وقعوا في شباك الردى ، وتمكن منهم الفساد ، فأحبوا أن يغروا جلساءهم وزملاءهم ، ويوقعوهم فيما وقعوا فيه ولم يستطيعوا التخلص منه ، وهدفهم أن يكثر أشباههم ، ويتمكنوا من الظهور ، ويقل الإنكار عليهم ، ويحتجوا على من أنكر عليهم بفعل الآخرين ، فكثيرا ما ننصح بعض الشباب عن شرب الدخان ، وحلق اللحية ، وسماع الغناء ، فيقول: الناس مثلي كثير؛ أما رأيت غيري ، هذا شيء موجود في العالم ، ألا ينكره غيرك؟! ونحو ذلك .
مع أنهم عند التحقيق يعرفون خطأهم ، وفساد ما اقترفوه ، ولكن لما تمكن ذلك منهم ، وسيطرت تلك العادات عليهم ، واستولى عليهم خلطاؤهم وزملاؤهم ، وتحكمت فيهم تلك الأفعال السيئة ، لم يجدوا بدا من أن يبرروا موقفهم بأن لهم قدوة ، وأن الناس سواهم كثير .
ونحن ننصح أولياء الأمور عن الإهمال والإضاعة لأولادهم وفلذات أكبادهم ، ونقول: إن الواجب على الأب وولي الأمر أن يتفقد جلساء ولده ، ويتحقق من صلاحهم واستقامتهم ، ومتى كانوا أفاضل وعبادا أتقياء ، من خيرة الشباب وأهل الالتزام والعمل الصالح ، أوصاه بملازمتهم ، وحضه على مجالستهم ، وعلى الاقتداء بهم ، ومنافستهم ومسابقتهم إلى الخيرات وإلى حلقات العلم والمذاكرة والقراءة ، والحرص على الاستفادة ، وإن كان جلساؤه من أهل السفه واللهو ، وإضاعة الوقت ، وأهل الضحك والمزاح ، فإن عليه أن ينصحه بالبعد عنهم ، ويحذره من الجلوس معهم ، حرصا على الاستفادة من الزمان ، وعلى حفظ الأعمار فيما يعود على الإنسان بالمصلحة في دينه ودنياه .
أما إن كانوا من أهل الفساد والخنا ، وعمل الفواحش وفعل المنكرات ، والانهماك في المحرمات ، فإن صحبتهم تردي بمن صحبهم
وقد نهى الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن مجالسة مثل هؤلاء بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة الأنعام الآية 68 ] . والأمر لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولكل فرد من أفراد أمته .
والخوض في آيات الله تعالى يعم من يستهزئ بها ، أو يكذب بها ، أو يطعن في صحتها ، أو يعيب أهلها ، ويدخل في الآيات كلام الله تعالى وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحكام الشرع ، والحلال والحرام ، فكل من خاضوا في ذلك بالباطل حرم الجلوس معهم ، ولو كانوا من المتسمين بالإسلام ، فمن جلس معهم غافلا عن الحكم ثم تذكر ، أو بدءوا بكلام مباح ثم انتقلوا إلى الخوض المنهي عنه ، فإن عليه المبادرة بالقيام عنهم إن لم يتأثروا بالنصح ، ولم يقبلوا المعروف ، وقد نبه الله تعالى المؤمنين على هذا الحكم ، وأكده مرة أخرى بقوله: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ﴾ [ سورة النساء الآية 140 ].
وهذا وعيد شديد ، وتهديد أكيد ، لمن جلس مع الخائضين في آيات الله ، والمستهزئين بها ، حيث اعتبر من جلس معهم مثلهم ، أي لإقراره وسكوته مع تمكنه من الإنكار ، أو من مبارحة المكان ، والبعد عن أولئك المستهزئين .
ولقد مدح الله تعالى عباده المؤمنين به حقا ، الذين وعدهم بمضاعفة الأجر بقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ [ سورة القصص الآية 55 ] . وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [ سورة الفرقان الآية 72 ].
ويدخل في اللغو الخوض في آيات الله بالباطل والسخرية بالأحكام ، والتكذيب بالآيات ، والطعن في القرآن ونحو ذلك ، فكله من اللغو المنهي عنه ، فمتى اشتملت المجالس على مثل ذلك ، فإن العاقل الذي يريد نجاة نفسه يتركها ، ويربأ بنفسه عن مجالسة أهلها ، حتى لا يعلق به شيء من وضرهم ودنسهم ، فيصعب التخلص منه .
وقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بمجالسة أهل الصلاح والإصلاح ، والتمسك بالدين الصحيح ، والمؤمنين بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [ سورة الكهف الآية 28 ]. وهؤلاء هم الذين أسلموا قديما ، وفارقوا الكفار ، وقاطعوهم ، فأمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن يصبر نفسه معهم ، ولا ينظر إلى غيرهم نظرة إكبار وإجلال .
وقد روي أن المشركين طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يطرد عنه ضعفاء المسلمين وفقراءهم ، من المماليك والموالي والحلفاء الذين أسلموا معه ، وذكروا أنهم يأنفون عن مجالستهم ، فهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بطردهم طمعا في إسلام أولئك الأكابر من المشركين ليسلم غيرهم ، ولكن الله تعالى نهاه عن طرد أولئك المؤمنين بقوله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 52 ] إلى قوله: ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 52 ] وفي هذا ترغيب في مجالسة الصالحين ، والقرب منهم ، والاستفادة من علومهم وأعمالهم ، وفي ضمن ذلك التحذير من مجالسة الأشرار والمفسدين ، وأهل الغي والضلال .
ولقد وردت السنة النبوية في التحذير من جلساء السوء ، والترغيب في صحبة الأخيار والصالحين ، والقرب منهم ، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة » متفق عليه عن أبي موسى([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). وروى أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ومثل جليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه ، ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير ، إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])
قال النووي في شرح مسلم : " وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ، ومن يغتاب الناس ، أو يكثر فجوره وبطالته ، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة ".([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])ا هـ .
والتمثيل واقعي فالجليس الصالح إما أن يفيدك بفوائد علمية ، أو يدلك على خير ، وإما أن يحذرك من الشرور ، أو على الأقل يكون قدوة حسنة في قوله وفعله . أما الجليس السوء فهو إما أن يغويك ويوقعك في الردى ، وإما أن يكسلك عن الطاعات ، وإما أن يكون قدوة سيئة في أفعاله وكلماته .
وقد روى أبو سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طع******* إلا تقي»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) قال في تحفة الأحوذي: " المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين؛ لأن مصاحبتهم مضرة في الدين . «ولا يأكل طع******* إلا تقي» أي: متورع يصرف قوة الطعام إلى عبادة الله ".([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ا هـ .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) والخليل هو الصديق المصاحب ، يعني أن الغالب على الإنسان الاقتداء بأصدقائه وجلسائه ، فهو يقتدي بهم ويحتذي حذوهم ، فإن كانوا صالحين سعد بهم في الدنيا والآخرة ، وجمعه الله بهم في دار كرامته ، وإن كانوا أشقياء أثروا فيه ، وأردوه وأوقعوه في الشقاء ، فيندم في الآخرة ، كما قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلا ﴾ [ سورة الفرقان : 27 : 28 ] . هكذا حكى الله عن هذا الظالم أسفه على خلة فلان الذي أضله عن الذكر ، وصده عنه ، وزين له الكفر والفسوق والمعاصي ، وقد قال تعالى عنهم وهم في العذاب: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ *وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ [ سورة الزخرف : 38 ـ 39 ] . أي لا يخفف عنهم اجتماعهم في العذاب ، بل تنقلب تلك الصداقة والمحبة عداوة وبغضا ، كما قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [ سورة الزخرف الآية 67 ] .
وكلام العلماء في اختيار الصحبة كثير ، وفيما ذكرنا كفاية .
([1]) رواه البخاري في الأدب برقم 5997 ومسلم في الفضائل برقم 2318.
([2]) رواه البخاري في الأدب برقم 5998 ومسلم في الفضائل برقم 2317.
([3]) رواه البخاري في الجنائز برقم 1284 ومسلم في الجنائز برقم 923.
([4]) هو في سننه كما في تحفة الأحوذي 6 / 37 باب ما جاء في حب الوالد لولده.
([5]) كما في التحفة 10 / 276 في مناقب الحسن والحسين.
([6]) ذكره الهيثمي في الفضائل من مجمع الزوائد 9 / 181 وفيه ضعف.
([7]) كما في كشف الأستار برقم 1892 وفيه عطية العوفي وهو ضعيف.
([8]) هو في كشف الأستار برقم 1891 قال في مجمع الزوائد 8 / 155 : ''ورجاله ثقات ''.
([9]) هو في المسند 5 / 211 وفي سنده مجالد بن سعيد وهو ضعيف، ويشهد له ما قبله من الأحاديث.
([10]) رواه ابن ماجه برقم 3666 وفي إسناده سعيد بن أبي راشد وثقه ابن حبان قال البوصيري في الزوائد 4 / 99 : '' هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ''. وكذا صححه الحاكم 3 / 164 وأقره الذهبي.
([11]) هو في صحيح البخاري برقم 2101، 5534 ومسلم برقم 2628 ورواه بقية الجماعة.
([12]) هو في سنن أبي داود برقم 4829 وإسناده صحيح.
([13]) انظر شرح النووي على مسلم 16 / 178.
([14]) رواه أبو داود في الأدب برقم 4832، والترمذي برقم 2397 وإسناده حسن. ورواه أحمد 3 / 38 ، والحاكم 4 / 128 وصححه ووافقه الذهبي.
([15]) انظر تحفة الأحوذي على الترمذي 6 / 76 للمباركفوري.
([16]) رواه أبو داود برقم 4833 ، والترمذي برقم 2379، والحاكم 4 / 171 وإسناده حسن، وصححه الحاكم والذهبي.
([17]) انظر هذه الأشعار ونحوها في (الآداب الشرعية) لابن مفلح 3 / 561 وقد أطال في هذا الموضوع، فراجعه إن شئت، فقد أجاد وأفاد ـ رحمه الله تعالى ـ.
????? زائر
موضوع: حول تربية الأطفال وتعليم الجهال لِسَمَاحَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ عَبْدِ اللَّـهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جِبْرِيْنٍ الثلاثاء أبريل 20, 2010 8:44 pm
أهمية الوقت والحرص على استغلاله فيما يفيد
لما كان كثير من الآباء يشغل أولاده بما يذهب عليهم الزمان؛ لطول الفراغ ، والاحتياج إلى الانشغال فيه بما يخففه -في زعمه- أحببنا أن نشير هنا إلى أهمية الوقت ، وأفضل ما ينشغل المرء فيه . فإن الوقت الذي هو الليل والنهار هو كرأس مال الإنسان في التجارة ، يحافظ عليه العاقل ، ويتحفظ في تصرفه أن يذهب إن أساء العمل ، أو ينقص فيخسر ويندم . فهكذا عمره في هذه الحياة هو الذي يربح إذا استغله في الخير والعلم والعمل الصالح ، ويخسر في ضد ذلك ، فيجب على العاقل أن يهتم بشغل فراغه فيما يعود عليه بالفائدة العائدة عليه بالخير في دنياه وأخراه ، متذكرا أنه مسئول ومحاسب عن زمانه ، كما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع- أو عن خمس- عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]).
فقد ذكر من هذه الخصال العمر كله ، وخص الشباب مع أنه من جملة العمر ، وذلك أن عادة الشباب ميلهم إلى اللهو واللعب والبطالة وإضاعة الوقت ، ومن لم يكن منهم كذلك فهو محل غرابة وعجب ، حيث مال عن ما يقتضيه الصبا والجهل ، ولهذا ورد في الحديث عن عقبة بن عامر رفعه: «عجب ربك من الشاب ليست له صبوة»([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) فمتى ترك الشاب هواه وما يتمناه فإن نفسه تميل عادة إلى اللهو واللعب والمرح والبطالة ، فمتى مكنه وليه من مراده فإنه ينهمك في ذلك ، ويغفل عن مصالحه العاجلة والآجلة ، وينغمس في دحض الباطل والفساد حتى يتمكن ذلك من نفسه ، ولا يشعر بالخسران المبين حتى يعقل ويتفكر ويحتاج إلى نفسه ، فحينئذ يبلغ منه الأسف والندم مبلغه ، وقد فات الأوان .
ولا شك أن العاقل يجب عليه أن يستحضر نهايته ، ويفكر في مستقبله ، ويتذكر عاقبة أمره ، فيستغل زمانه في كل شيء يعود عليه بالمصلحة في دينه ودنياه ، ولا يفرط في لحظة من لحظات عمره بإضاعتها فيما لا فائدة فيه ، متذكرا قول الله تعالى مخاطبا لأهل النار: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [ سورة فاطر الآية 37 ]. فقد ذكرهم ربهم تعالى بأنه عمرهم أي: مد لهم في الأعمار ، بحيث يتمكنون من التذكر والتفكر في عاقبة أمرهم ونهايتهم ، فيعملون ما فيه نجاتهم من العذاب والنكال ، ويشغلون أوقاتهم بما يعود عليهم بالفائدة والخير في دنياهم وأخراهم .
ولا شك أن كل يوم يمر بالإنسان فإنه يقربه إلى الآخرة ، ويدنيه من أجله ، وأن كل ليل أو نهار يطوى على ما فيه من خير أو شر: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [ سورة الزلزلة : 7 ـ 8 ].
ولقد أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالعمل في وقت فراغه بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [ سورة الشرح الآية 7 ] أي: فاعمل في ساعة تتفرغ فيها ما تستفيد منه لآخرتك ، وبهذا يعرف أن ليس هناك وقت يسمى فراغا ، بل كل ساعة أو جزء منها لا يكون عند الإنسان فيه عمل فسوف يجد ما يعمله فيه ، ولو بالذكر والتلاوة والعلم والعمل .
فالعاقل يبخل بعمره أن يضيع منه شيء سبهللا ، دون أن يستفيد من كل ساعة تمر به ، حتى لا يخسر جزءا من حياته ، مستحضرا قول الشاعر([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) :
أليس مــن الخســران أن لياليـا * * * تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وبهذا يعرف خسران الكثير من أكابر وأصاغر يظهرون الملل من طول الوقت ، ويقبلون على اللعب بما يسمى البلوت ، ونحوه من الملاهي ، أو على ما يعرضونه من أفلام خليعة تحوي صورا ماجنة ، وقصصا خيالية ، تشغل الأفكار ، وتضيع الأعمار ، وكان الأولى أن يضنوا بتلك الساعات الثمينة ، ويشغلوها في تلاوة القرآن ، أو مذاكرة في حديث أو فقه ، أو أدب أو تاريخ فيه عبرة ، أو تعلم وتعليم ، أو أذكار وعبادات ، ونصائح وإرشادات ، أو عرض لمواضيع تهم المجتمع ، وسعي في نفع المسلمين ، فإن الكثير من أولئك الذين يظهرون الملل والسآمة من طول الوقت وكثرة الفراغ ، ويعملون أعمالا وألعابا يستفرغون بها زمانهم ، لو تعلموا فيه أحكام دينهم ، أو تدبروا وقرءوا كتاب ربهم ، أو تفقهوا في دينهم ، لاستفادوا من فراغهم فائدة كبرى ، فإن الغالب عليهم الجهل المركب ، فلو سألتهم عن معنى آية أو حديث فقهي ، أو تفسير غريب ، أو محتوى كتاب مشهور لما أجابوا بقليل ولا بكثير .
فما أخسر صفقة من أضاع وقته الثمين وعمره الطويل في غير فائدة دينية أو دنيوية .
وأخسر منه من شغل عمره المديد في ضد الطاعة ، من عكوف على الملاهي ، وسماع للأغاني ، وإنصات لقصص وأضحوكات ، وتماثيل خيالية ، نسجتها أيدي الأعداء الألداء ، لهدف إضاعة الأوقات ، واستفراغ الأعمار باسم التسلية والترفية عن النفس ، ترفيها بريئا كما يعبرون : ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [ سورة الشعراء الآية 227].
مسئولية الآباء وأولياء الأمور :
لقد ثبت في الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) الحديث . فرعاية الرجل لأهل بيته هي سياسته لأمرهم ، وإيصالهم حقوقهم الواجبة ، قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]): وجاء من حديث أنس «فأعدوا للمسألة جوابا» وسنده حسن ، ولابن عدي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه: « إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، حفظ ذلك أم ضيعه »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])وقد روى الترمذي([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) حديث ابن عمر ، وأشار إلى ما في الباب من حديث أبي موسى وأنس ، ثم ذكر أسانيدها ، ورجح فيها الإرسال .
وبالجملة فالحديث صحيح عن ابن عمر وغيره ، ومعلوم أن الرعاية تستلزم الأمانة ، والاجتهاد في حفظ الرعية ، والنظر في المصالح ، والإبعاد عن أسباب الضرر والهلاك ، فإذا شعر العبد بأنه مسترعى على أهل بيته ، فإنه يحرص على من استرعاه الله إياهم ، ويبذل جهده في إصلاحهم ، وجلب الخير لهم ، وحراستهم عن الشرور والأضرار وأسباب الهلاك والتردي ، فلا بد أن يعد للسؤال جوابا ، وللجواب صوابا .
كما أن العاقل يعلم أن مصلحته في حماية الرعية التي تحت يده ، حيث إن صلاحهم واستقامتهم يجلب له السعادة ، والحياة الطيبة ، وقرة العين عندما يرى ثمرة عنايته قد أينعت وأسفرت عن ذرية صالحة ، تبر بالوالد ، وتحنو على الولد ، وتطيع الله تعالى ، وتعمل الأسباب في النجاة من عذابه . فإن أصل الرعاية في رعي بهيمة الأنعام أي: إسامتها ، كما قال تعالى:
﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾ [ سورة النحل الآية 10 ]. وقال تعالى: ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ﴾ [ سورة طه الآية 54 ].
فرعاة الدواب المأمونون الناصحون يلاحظونها ، ويقصدون بها الأماكن المعشبة ، ويراقبونها بنظرهم ، ويحفظونها عن السباع واللصوص والضياع ، فمتى فرط الراعي في الحفظ والانتباه فإنه مسئول عما ند منها وملزم بالضمان ، وقد قال الشاعر([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]):
ومن رعى غنما في أرض مسبعة * * *ونــام عنهــا تــولى رعيهـا الأسـد
وهكذا يكون أولياء الأمور متى فرط أحدهم ، وأهمل أولاده ، وغفل عن مصلحة رعيته ، فإنه يعتبر ملوما وسوف يحاسب على تفريطه ، ويندم على إهماله ، وبطريق ا لأولى من أفسد رعيته ، ورباهم على سماع الفحشاء والمنكر ، وجلب لهم الأجهزة التي تفسد أخلاقهم ، وتقضي على معنوياتهم ، فإنه مسئول عن إفسادهم وسيندم حين لا ينفع الندم .
القدوة الحسنة والقدوة السيئة :
المعتاد والغالب أن الأبناء والذرية يقتدون بالآباء والمربين والمعلمين ، كما حكى الله ذلك عن أهل الجاهلية في مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ *فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ [ سورة الصافات : 69 ـ 70 ]. وقال تعالى: ﴿مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [ سورة الزخرف الآية 23 ] . وقال تعالى عن قوم إبراهيم: ﴿بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [ سورة الشعراء الآية 74 ]. وقال تعالى عن قوم هود: ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ [ سورة الأعراف الآية 70 ]. وغير ذلك من الآيات .
فالآباء قدوة حسنة أو سيئة لأولادهم ، والاقتداء هو التقليد والاتباع ، والتمسك بما عليه الأسلاف من عقيدة أو عمل . فالمعتاد أن الأبناء يحسنون الظن بآبائهم ، ويتمسكون بما كانوا عليه ، ويعتقدونه سفينة النجاة ، ففي قصة موت أبي طالب لما قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قل: لا إله إلا الله . كلمة أحاج لك بها عند الله قال له الحاضرون من المشركين: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]).
وقد قال عن قوم نوح: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾ [ سورة المؤمنون الآية 24 ]. وذلك دليل شدة تمسك الخلف بسنة من سبقهم ، وتصلبهم في ما تلقوه عنهم ، كما قال عن المشركين: ﴿مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ﴾ [ سورة سبأ الآية 43 ] .
ثم إن هناك أخص من التقليد في العقائد ألا وهو تأسي الذرية والأطفال بما عليه المربون وأولياء الأمور ، واتباعهم في أفعالهم وأقوآله م ، دون تفكير في الحسن والقبيح ، والضار والنافع ، والخير والشر ، فمتى كان المربي أو الولي مستقيما متبعا للحق ، فإن من تحت يده غالبا يقتدون به ، فتراهم يحافظون على الصلوات في الجماعة ، ويتقربون بالنوافل ، ويسابقون إلى المساجد ، ويواظبون على الأذكار والأدعية عقب الصلوات المكتوبة ، ويكثرون من ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه وتدبره ، ويحبون الخير وأهله ، مقتدين في ذلك بمن يربيهم ويعلمهم ، ويرون أن ذلك هو سبيل النجاة ، وإن لم يكن الولي أو المربي يعلمهم ويلقنهم هذه الفضائل والفوائد ، فأما إن أضاف إلى أفعاله الحسنة النصح والإرشاد ، وتوجيه من تحت يده ، وترغيبهم في فعل الخيرات ، وحثهم على الإكثار من القربات ، فحدث ولا حرج عن تأثرهم وتقبلهم وتلقيهم لنصائحه وإرشاداته ، واطمئنانهم إلى صحة ما يهديهم إلى فعله ، وتطبيقهم لكل صغيرة وكبيرة يدعوهم إليها غالبا .
وبضد ذلك نرى أن الآباء وأولياء الأمور والمربين والمعلمين متى كانوا منحرفين زائغين ، ظهر الفساد غالبا فيمن تحت أيديهم من الأطفال والذراري ، فينشئون على استعمال السباب والشتم واللعن والقذف والعيب والثلب وسيئ المقال أو على الوقاحة والرذالة والرعونة والجفاء وخشونة الطباع ، أو على الانحراف في الأخلاق والطبائع ، أو على الحسد والظلم والكذب والخيانة والسرقة والاختلاس والفجور وقول الزور ، أو على المعاصي الظاهرة ولو كانت منكرة في العقل والفطرة ، فتراهم يقلدون أكابرهم ومشايخهم في شرب الدخان ، وحلق اللحى ، وتعاطي المسكرات والمخدرات ، والعكوف على سماع الأغاني والملاهي ، والنظر في الصور الفاتنة ، والصحف الماجنة ، والأفلام الهابطة ، ونحو ذلك .
ولا شك أن إظهار أمثال هذه المعاصي أمام النشء الصغير غير المميز ، مما يدفعه إلى التلوث بها ، أو ببعضها ، سواء تهاون والده به بادئ ذي بدء أو حذر منها ، فإذا أعلن فعلها أمام الأطفال والجهال ، حتى نشبوا في تلك الحبائل ، ثم حاول تخليصهم وإنقاذهم منها تعب في ذلك ولم يستطع ، فيندم حين لا ينفع الندم . فلا تسأل عما يحدث من جراء التخلق بمثل هذه الأخلاق الرذيلة ، حيث يتحلى الولد بالعقوق والعصيان ، والمخالفة الظاهرة لولي أمره ، ويصبح كلا على أبويه ، يذيقهما مرارة الحياة ، ويجرعهما غصص الأذى ، حيثما لم يترب على معرفة حق الله تعالى ، وما أمر به في حق الأبوين ، وإنما يسعى في نيل شهوته البهيمية ، واتباع غريزته الدنية ، ونيل ما يهواه ، دون مبالاة بحل أو حرمة أو حق لله أو للوالدين ، حيث لا يعرف من العلم والدين ما يردعه أو يمنعه عن العبث بحق ربه وأهله ، كما يعبث الطفل بلعبته .
ولقد كثر هذا الضرب في شباب المسلمين ، فتراهم يتسكعون في الأسواق والطرق ، يعاكسون ، ويمارسون المنكر ، وتجدهم طوال الليل على الأرصفة وأطراف الطرق المتطرفة ، وفي الصحاري وخارج المدن ، يلعبون ويمرحون ، ونرى أحدهم في جلسائه وقد أشعل سيجارته ، وتفيهق في مشيته ، وتحلى كما تتحلى الإناث بالتختم بالذهب أو الضيق من اللباس ، مما يسبب التأنث والانحراف عن شيم الرجال وشهامتهم ، فنهاية أحد أولئك الكسل والبطالة ، فتراه عاطلا خاملا ، فلا نجاح في الدراسة ، ولا لزوم لعمل مفيد ، ولا حرفة ولا صناعة ، حتى إن الكثير من آبائهم يتمنون لهم الموت سريعا .
وكم حاول بعض الأولياء القضاء على هؤلاء- ولو كانوا أبناءهم- وإعدامهم من الوجود؟ لما يلاقونه من الأذى وسوء المقال ، وتكبد الخسارة ، وإنفاق الأموال الطائلة عليهم ، وهذا هو نتيجة الإهمال في زمن الإمهال ، أو هو أثر التربية السيئة ، والتنشئة على اللهو والباطل ، حتى تمكن فيهم الفساد ، فحاول الولي إقامتهم ولات حين مناص .
حكم تربية الكفار لأولاد المسلمين :
لقد قرأت سابقا ما نشر في جريدة الرياض عدد (5277) وتاريخ 2 / 2 / 1403 هـ تحت عنوان (هل تصح كفالة المسيحي للمسلم) بقلم عبد الله السباك ، الذي ذكر أنه اتفق صدفة بخواجة أسترالي ، وعلم بواسطته أن هناك جمعيات في بلاد النصارى ، كبريطانيا وأستراليا وهولندا وكندا والولايات المتحدة ، وأن تلك الجمعيات تعمل ما يكون صرفا لأولاد المسلمين عن دين الإسلام ، وذلك بكفالة الأطفال الذين فقدوا آباءهم ومن يعولهم ، وأنها جعلت لها مراكز في البلدان النامية . . . إلخ .
وأنا أجيب على عنوان المقالة الذي جاء بالاستفهام عن حكم كفالة المسيحي للمسلم ، فأقول: لا يجوز شرعا تمكين الكفار من الولاية على المسلمين ، فإن ديننا الحنيف قد جاء بالتفريق بين الأقارب لأجل الإسلام ، نهى عن موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان من الآباء أو الأبناء أو العشيرة فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ﴾ [ سورة التوبة الآية 23 ]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ سورة النساء الآية 144 ]. وقال تعالى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ ﴾ [ سورة آل عمران الآية 28 ] .
وأمر الله تعالى بالهجرة من بلاد الكفر ، ومفارقة الأهل والقبيلة ، رغم ما ركب في الفطر من حب الأوطان والتعصب للقبائل؛ فتجب الهجرة والفرار من البلاد التي يعلن فيها الكفر ، ويستذل فيها المسلمون ، ويلقون الأذى ، ويسمعون السخرية والاستهزاء بدينهم وبحرمات الإسلام؛ فيجب عليهم الخروج منها حفاظا على الدين ، وحرصا على التمسك بالعقيدة ، وإعلان العمل بشعائر الإسلام ، وإنما عذر الله من الهجرة المستضعفين بقوله تعالى: ﴿ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴾ [ سورة النساء الآية 98 ].
وذلك أن بقاء المسلم بين ظهراني قوم كفار يكون سببا في تعذيبه وأذاه ، وإلحاق الضرر به ، أو سببا في افتتانه ورجوعه عن دينه ، وإذا كان هذا يتصور في الرجل الكبير العاقل ، فكيف بالطفل الصغير الذي لا يميز بين الأديان ، فيجب إبعاد أولاد المسلمين عن ولاية الكفار والمشركين وأهل البدع والمعاصي؛ وذلك لأن كل فرد غالبا يتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه ، ويألف العادات والأعمال والأخلاق المنتشرة الشائعة في الوطن الذي يعيش فيه ، وبين المواطنين الذين ينشأ بين ظهرانيهم ، وتظهر وتنطبع آثارها في ديانته ومعتقده ومعاملاته .
فإن عاش الطفل وتربى في بلاد تحكم بالشرع الشريف ، وتطبقه في العادات والقربات ، فتؤدي الواجبات الدينية ، وتتجنب المحرمات ، وتتنزه عن الجرائم ومساوئ الأخلاق ، فإن هذه الأعمال -ولا بد- سوف تتحكم في ميوله ، ويهواها بقلبه ، ويألفها وينصبغ قلبه بمحبتها ، ويبغض أضدادها وينفر منها ، ويكره أهلها ويمقتهم .
أما إن تربى في مجتمع يظهر الفساد ، ويعتدي على العباد ، ويبطش بغير حق ، ويخالف مقتضى العقل والنقل ، ويستحسن خلاف الشرع ، وينتهك الحرمات ، ويخل بالواجبات ، ويدين بالبدع ، ويستحسنها ويعمل بموجبها ، فإن ذلك الناشئ عادة يكون منهم ، ويعمل كعملهم ، ويعتقد ما يعتقدونه من كفر أو إلحاد أو نفاق ، أو بدع مضللة أو مفسقة ، ويجزم بأن ذلك هو عين الصواب ، وأن ما عداه خطأ وضلال . فتأثير البيئة والمجتمعات في تغيير الفطر وصرف القلوب أمر محسوس جلي لا شك فيه ، وقد دل على ذلك الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ثم يقول أبو هريرة : " اقرءوا إن شئتم : ﴿فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ﴾ فقد أخبر أن الطفل يولد على الفطرة ، وهي الحنيفية السمحة ، فلو ترك وفطرته لعرف أن له ربا خالقا مالكا متصرفا ، وعرف أن الذي خلقه ورزقه وسخر له الأبوين ، وكمل خلقه ، أن له عليه حقوقا وعبادات ، كما على العبد لمالكه . ثم أخبر أنه ينصرف وينحرف عن تلك الفطرة بما ألفى عليه أبويه ، حيث نشأ معهما وتلقى عنهما ما يدينان به من يهودية أو نصرانية أو مجوسية ، أو وثنية أو بوذية أو هندوسية ، أو غيرها من الملل الكفرية ، وهكذا إن كان أبواه يعتقدان عقيدة منحرفة ، كبدعة الرافضة والفلاسفة ، والدروز والباطنية ، والبعثية والنصيرية ، والمعطلة والمشبهة ، والبهائية والقاديانية ، ونحوها ، فإن الأبوين يلقنان أولادهما ما يدينان به ؛ فيتربى الطفل على تلك العقائد الضالة جازما بصحتها ، عازفا عما سواها ، لا يحدث نفسه بالنظر في غيرها ، فيعزب عن باله ما تتكون منه ، وما تحويه من الكفر والضلال ، والانحراف عن الهدي المستقيم ، ولا يتصور ما يرد عليها من الأدلة النيرة التي توضح فسادها ، وقد قال تعالى في اليهود : ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ [ سورة البقرة الآية 145 ]مع أن هذا في شأن القبلة ، وهي فرد من جزئيات الديانة ، فكيف بأصل العقيدة ، فقد قال تعالى : ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [ سورة البقرة الآية 120 ]. فمتى تربى شخص منذ حداثته على أخلاق أو عقائد ، ونشأ عليها وألفها ، فإن تحويله عنها من الصعوبة بمكان ، مهما بذلت له المحاولات ، وأقيمت عليه البراهين ، وأوضحت له الحجج التي تنير الحق ، وتبين سفاهة من دان بتلك الأديان الباطلة ، أو انتحل تلك النحل الزائغة ، أو صدق بتلك العقائد المنحرفة : ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [ سورة الحج الآية 46 ]. فرجوع مثل هذا إلى الصواب مع رسوخ الباطل في ذهنه ، شبه المستحيل إلا ما شاء الله . ولما كانت التربية في سن الطفولية لها هذا التأثير في تقويم الإنسان أو انحرافه ، رأينا النصارى والرافضة ونحوهم من أعداء الإسلام والسنة يبذلون كل وسيلة ، ويعملون كل حيلة في الحصول على ولاية وحضانة وتربية أطفال المسلمين ، سيما الذين يفقدون آباءهم بموت أو قتل أو غيبة أو سجن مؤبد أو تشريد ، كما هو حاصل في كثير من البلاد تاركين خلفهم أعدادا كثيرة من الأطفال والذراري ، ممن لا يزالون في سن الطفولية ، فبعد أن يغيب أو يموت الآباء ، ويبقى أولئك الأطفال منقطعين ، لا يجدون من يعولهم أو يرعى شئونهم من قريب أو نسيب ، أو ذي رحم ، أو مسلم يشفق على ذرية إخوته المسلمين ، فعند ذلك ينتهز الفرصة أعداء الدين ، من نصارى وشيوعيين ، ويهود وفلاسفة ، ورافضة وقبوريين ، والضلال من المتصوفة وغيرهم ، فيتتبعون أولئك الأطفال في أكواخهم ومساكنهم المتواضعة ، ويغرونهم بالمال ، وبالمنازل الرفيعة ، وينقلونهم من فقر وفاقة وشدة مؤنة إلى رغد عيش ورفاهية وبيوت مكيفة مكملة بكل ما يتمنون ، فيربونهم كما أرادوا ، ويعلمونهم الأديان التي ينتحلونها ، ويتولون تنشئتهم كما يريدون ، ويغسلون أدمغتهم من روح الإسلام ، ومن دينهم الذي ولدوا عليه ، والذي صبر عليه آباؤهم وأجدادهم ، وتمسكوا به وعضوا عليه بالنواجذ حتى فارقوا الدنيا . وبلا شك أن هؤلاء الأطفال متى نشأوا وتربوا على أيدي أولئك الكفار والمبتدعين ، بعيدين عن أهليهم وأوطانهم ، ومقر أديانهم وأديان أسلافهم ، فإنهم يدينون بديانة أولئك المربين والمدربين ، لا يعرفون غيرها ، ولا يخطر ببالهم أن هناك دينا أصلح مما تعلموه ؛ فيصبح أولاد المسلمين كفارا ومشركين ، أو نصارى ويهودا ، أو روافض ومبتدعين ، أو نحو ذلك من الديانات الباطلة ، ويصبحون وبالا على الدين الصحيح ، وأعداء للإسلام الذي هو دين آبائهم وأسلافهم ، والواقع يشهد بذلك . وقد ذكر بعض الدعاة الذين سافروا إلى البلاد النازحة أن أعدادا كبيرة من مسلمي الهند ومسلمي أفغانستان نزحوا إلى قارة أستراليا التي يحكمها النصارى ، فنشأ أولادهم على . دين النصارى ، وتعلموا لغتهم ، ودانوا بما هم عليه ، حيث لم يكن هناك من يعلمهم دين الإسلام ، فتولى النصارى تربيتهم ولقنوهم دين النصرانية .
فتح المدارس والمستشفيات في بلاد الإسلام :
لقد فكر أعداء الله تعالى فيما يتوصلون به إلى إضلال المسلمين ، ويكسبون به قلوبهم وأبدانهم ، ويغيرون به أديانهم ، فبذلوا كل جهد في التهويد والتنصير ، والإخراج من المعتقد السليم ، والدين القويم ، بعد أن رأوا قوة المسلمين وانتصارهم ، وفتحهم البلاد بعد فتحهم القلوب ، ورأوا أن الدين الصحيح والعقيدة السلفية لا يقوم أمامها قائم ، ولا يستطيع مقاومتها ذو قوة وبأس ومنعة ، فلم يجدوا سوى الغزو الفكري ، والسعي في الصد عن الصراط السوي ، فبذلوا كل ما يستطيعونه من قوة ، وأعملوا كل حيلة ووسيلة ، وكان من بين ما فكروا فيه ، ونجحوا في تفكيرهم ، هو فتح المدارس التبشيرية كما يعبرون ، فأسسوا الكثير من تلك المدارس في بلاد يدين أهلها بالإسلام ، سيما بين الدول الفقيرة التي تعوزها النفقة ، ويهم أحدهم تحصيل القوت الضروري ، فانتهز أولئك المنصرون الفرص في حينها ، وعرضوا عليهم أن يبنوا لهم مدارس ومستشفيات ، ودور تعليم ، وخدعوهم بأن ذلك للرفق بهم والرحمة والإنسانية ، وقاسموهم أنهم لهم ناصحون ، ليعلموا أولادهم ، ويعالجوا مرضاهم ، فصدقهم أولئك الأهالي ، فبادروا وانتهزوا الفرصة ، ولم يهمهم ما بذلوا من الأموال الطائلة في إنشاء المدارس والمعاهد والجامعات ، وما أولوهم من العناية والتربية والتعليم والعلاج ، هذه حيلة النصارى ، ومثلهم الرافضة الذين يدعون الإسلام وهم بعيدون منه ، فقد اشتهر عنهم غزوهم لأغلب البلاد الإسلامية التي يدين أهلها بالسنة ؛ ليصرفوهم إلى عقيدة الرفض والتشيع ، فيؤسسون عندهم ما يحتاجونه من المدارس والمرافق ، ويبذلون لهم المنح الدراسية ، ويحرصون على استقدام أفواج الطلاب من مختلف البلاد الإسلامية التي تدين بعقيدة أهل السنة ؛ ليتولوا تعليمهم كما يشاءون فيزينون لهم معتقد التشيع الزائغ ، ويوهمونهم صحة ما هم عليه ، وهكذا يفعل كل من كان على نحلة أو اعتقاد- ولو اتضح خطؤه- في الدعوة إلى أديانهم ، وعدم المبالاة بما يصرفونه على تأسيس تلك المدارس ودور التعليم ، ولا يهمهم ما أنفقوه على التلاميذ ، وما أعطوه لهم من قليل المال وكثيره ؛ ليكون ذلك حافزا لأولئك الجهلة على الانضواء تحت رعايتهم ، والتهافت إلى مدارسهم ودور تعليمهم ، والتلقي عن أساتذتهم ؛ لكون التعليم مجانا ، باسم التعليم والتثقيف ، وإزالة الجهل ، مع ما يبذلون للطلاب ويغرونهم به من المرتبات والجوائز ، والأطعمة المجانية ، والكسوة وإنفاق كل ما يحتاجونه من الكتب والأقلام والدفاتر ، والأدوات المدرسية ، فلا جرم تمكنوا من نيل مقاصدهم ، فوصلوا إلى تبديع وتنصير الفئات والجماعات من شباب المسلمين وكهولهم وشيوخهم ، بهذه الحيل الفاتنة ، وحيث إن تربية الأطفال ينتج عنها التدين بما يلقيه المربي ، واعتقاده أصلا ومنهجا ، يصعب الانفكاك عنه والتخلي عن العمل به ، ولو كان في أصله دينا باطلا ، أو كفرا أو ضلالا ، فإن هذه الحضانة والتربية بأيدي الكفار والمضلين لا تجوز شرعا ، فلا يجوز أن يمكن الكافر من تولي الطفل المسلم حال طفوليته ، ولو كان ذلك الكافر أو المبتدع أباه أو أخاه ، أو قريبه أو نسيبه ، كما أن القريب المسلم إذا كان فاسقا أو عاصيا لا يجوز أن يتولى حضانة الصبي المسلم مهما كانت قرابته ؛ لأنه غير موثوق به في أداء الواجب من الحضانة ، ولا حظ للطفل في حضانته ؛ لأنه ينشأ على طريقته ، ويقع فيما وقع فيه . وهذا أمر محسوس ، فإن المطلوب من الحضانة أمر زائد على الغذاء والحفظ البدني ، والتطهير والتنظيف الظاهر ، ذلك الأمر هو التغذية الروحية ، وتنمية الفطرة الدينية ، وتطبيقها عمليا ، فمتى كان المربي أو المعلم منحرفا زائغا في المعتقد ، أو متلبسا بذنب مكفر أو مفسق ، فإنه يظهر حال تلبسه به أمام أولئك الأطفال ، ويوهمهم أن ذلك الذنب حسن أو لا محذور فيه ، فلذلك يشاهد أن المبتدعة كالمعتزلة والرافضة ونحوهم ينشأ أولادهم على معتقدهم الزائغ ، كما أن تارك الصلاة وشارب الخمر والمدخن والزاني وآكل الربا والسارق والقاذف واللعان والطعان ونحوهم يألف أولادهم تلك المعاصي ، ويفعلونها محاكاة لآبائهم ، ويصعب تحويلهم عنها ، حيث نشأوا عليها منذ نعومة أظفارهم ، فلا يعرفون سواها ، ولم يجدوا موجها صالحا في صغرهم ينبههم على خطرها وضررها . فإذا كان هذا في العصاة والمذنبين فكيف بالكفار والمشركين من النصارى والوثنيين والملحدين . وإليك بعض ما قال علماء الإسلام في حضانة الكافر للمسلم وحكمها .
قال أبو محمد ابن قدامة في المغني 7 / 612 : " ولا تثبت- يعني الحضانة- لكافر على مسلم ، وبهذا قال مالك والشافعي وسوار والعنبري . وقال ابن القاسم وأبو ثور وأصحاب الرأي : تثبت له ؛ لما روي عن عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ابنتي وهي فطيم أو شبهه . وقال رافع : ابنتي .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أقعد ناحية » وقال لها : « اقعدي ناحية » ، وقال : « ادعواها » فمالت الصبية إلى أمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم اهدها » فمالت إلى أبيها فأخذها . رواه أبو داود ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]). ولنا : أنها ولاية ، فلا تثبت لكافر على مسلم ، كولاية النكاح والمال ، ولأنها إذا لم تثبت للفاسق فالكافر أولى ، فإن ضرره أكثر ، فإنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر وتزيينه له ، وتربيته عليه ، وهذا أعظم الضرر . والحضانة إنما تثبت لحظ الولد ، فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه . فأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ، ولا يثبته أهل النقل ، وفي إسناده مقال . قال ابن المنذر([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) : ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنها تختار أباها بدعوته ، فكان ذلك خاصا في حقه " ا هـ .
وهذا الخلاف المذكور وقع فيما إذا كان الكافر قريبا للطفل ، كالأم التي هي أولى بالحضانة ، وأعرف بشئون التنظيف والعناية بالطفل ، وأصبر على حمله وفصاله ، وأعرف بتغذيته ورعاية مصالحه . وقال ابن حزم في المحلى 11 / 742 :
" الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الاحتلام أو الإنبات مع التمييز وصحة الجسم ، فإن لم تكن الأم مأمونة في دينها ودنياها نظر لهما بالأحوط في دينهما ثم دنياهما ، فحيثما كانت الحياطة لهما في كلا الوجهين وجبت هنالك ، عند الأب أو الأخ أو الأخت أو العمة أو الخالة ، أو العم أو الخال . وذو الرحم أولى من غيرهم بكل حال ، والدين مغلب على الدنيا . . . والأم الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع ، فإذا بلغا من السن والاستغناء ومبلغ الفهم فلا حضانة لكافرة ولا فاسقة . . وأما تقديم الدين فلقول الله عز وجل : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [ سورة المائدة الآية 2 ] وقال تعالى : ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴾ [ سورة النساء الآية 135 ] وقوله تعالى : ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ [ سورة الأنعام الآية 120 ] فمن ترك الصغير والصغيرة حيث يدربان على سماع الكفر ، ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى ترك الصلاة ، والأكل في رمضان ، وشرب الخمر ، والأنس إليها حتى يسهل عليهما شرائع الكفر ، أو على صحبة من لا خير فيه ، والانهماك على البلاء فقد عاون على الإثم والعدوان ، ولم يعاون على البر والتقوى ، ولم يقم بالقسط ، ولا ترك ظاهر الإثم وباطنه ، وهذا حرام ومعصية ، ومن أزالهما عن المكان الذي فيه ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلاة والصوم ، وتعلم القرآن ، وشرائع الإسلام ، والمعرفة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتنفير عن الخمر والفواحش ، فقد عاون على البر والتقوى ، ولم يعاون على الإثم والعدوان ، وترك ظاهر الإثم وباطنه ، وأدى الفرض في ذلك .
وأما مدة الرضاع فلا نبالي عن ذلك ؛ لقول الله تعالى : ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [ سورة البقرة الآية 233 ] ، ولأن الصغيرين في هذه السن ومن زاد عليها بعام أو عامين لا فهم لهما ، ولا معرفة بما يشاهدان ، فلا ضرر عليهما في ذلك ، فإن كانت الأم مأمونة في دينها والأب كذلك فهي أحق من الأب ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا ، ثم الجدة كالأم ، فإن لم تكن مأمونة لا الأم ولا الجدة في دينها ، أو تزوجت غير مأمون في دينه ، وكان الأب مأمونا فالأب أولى ثم الجد ، فإن لم يكن أحد ممن ذكرنا مأمونا في دينه ، وكان للصغير أو الصغيرة أخ مأمون في دينه ، أو أخت مأمونة في دينها فالمأمون أولى ، وهكذا في الأقارب بعد الإخوة ، فإن كان أحدهما أحوط في دينه ، والآخر أحوط في دنياه ، فالحضانة لذي الدين- إلى أن قال- وأيضا فنحن لا ننكر تخييره إذا كان أحد الأبوين أرفق به ، ولا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخير بين خير وشر ، ولا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لا يخير إلا بين خيرين ، وكذلك نحن على يقين من أنه عليه الصلاة والسلام لا يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في دينه أو في حالته ، فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه ، ويميل إلى الراحة والإهمال . . . " إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
فمتى سقطت حضانة القريب الذي يهمل الأولاد ، أو يربيهم على الكفر والفسوق والمعاصي ، أو في مجتمع وبيئة بعيدة عن العلم
والدين وتفاصيل الشريعة ، فبطريق الأولى إذا كان المربي بعيد الصلة والنسب من أولئك الأطفال ، ولا قصد له ولا أرب في إصلاح أديانهم ، بل جل همه صرفهم عن عقيدتهم ، وتلقينهم ملة غير ملة آبائهم وأسلافهم ، وهذا بلا شك هدف تلك الدول الكافرة من حرصهم على احتضان ذراري المسلمين الذين فقدوا آباءهم وأهليهم ، أو الذين ابتلوا بالفقر والفاقة ، واشتدت حاجتهم إلى المادة البدنية والروحية ، وقد اتفق جمهور العلماء على أن العاصي والفاسق لا ولاية له على الصبي المحكوم بإسلامه ، وأحب أن أنقل هنا كلام بعض العلماء ، لتوضيح ذلك ، وذكر المفاسد التي تنشأ عن تولي الفسقة وتربيتهم ، فمن ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قال في مجموع الفتاوى 34 / 131 : " فلو قدرنا أن الأب ديوث لا يصونه والأم تصونه لم نلتفت إلى اختيار الصبي ، فإنه ضعيف العقل ، قد يختار أحدهما؟ لكونه يوافق هواه الفاسد ، ويكون الصبي قصده الفجور ومعاشرة الفجار ، وترك ما ينفع من العلم والدين والأدب والصناعة ، فيختار من أبويه من يحصل له معه ما يهواه ، والآخر قد يرده ويصلحه . ومتى كان الأمر كذلك فلا ريب أنه لا يمكن من يفسد معه حاله . والنبي صلى الله عليه وسلم قال : « مروهم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) فمتى كان أحد الأبوين يأمره بذلك والآخر لا يأمره ، كان عند الذي يأمره بذلك دون الآخر ؛ لأن ذلك الآمر له هو المطيع لله ورسوله في تربيته ، والآخر عاص لله ورسوله ، فلا نقدم من يعصي الله فيه على من يطيع الله فيه ، بل يجب إذا كان أحد الأبوين يفعل معه ما أمر الله به ورسوله ، ويترك ما حرم الله ورسوله ، والآخر لا يفعل معه الواجب ، أو يفعل معه الحرام ، قدم من يفعل الواجب ، ولو اختار الصبي غيره ، بل ذلك العاصي لا ولاية له عليه بحال ، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له عليه ، بل إما أن ترفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب ، وإما أن يضم إليه من يقوم بالواجب معه ، فإذا كان مع حصوله عند أحد الأبوين لا تحصل طاعة الله ورسوله في حقه ، ومع حصوله عند الآخر تحصل قدم الأول قطعا " ا هـ .
فهذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الأبوين ، مع ما جبلا عليه من الشفقة والرحمة حيث ذكر أن الولد لا يقر على اختياره إذا مال مع الذي لا يصلحه ولا يربيه التربية الإسلامية ، فكيف إذا كان المربي أجنبيا من الطفل ، بعيدا عن قصد إصلاحه في دينه وعقيدته ، بل لا يألو جهدا في إبعاده عن دين الإسلام ، وتلقينه ملة الكفر التي يدين بها ذلك المربي ، ويعتقد النجاة في اعتناقها . وقد صرح ابن القيم رحمه الله تعالى باشتراط اتفاق الدين بين الحاضن والمحضون ، فقال رحمه الله في (زاد المعاد) 4 / 132 : وقد اشترط في الحاضن ستة شروط (اتفاق الدين) فلا حضانة لكافر على مسلم ؛ لوجهين :
أحدهما : أن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه ، وأن ينشأ عليه ويتربى عليه ، فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه ، وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده ، فلا يراجعها أبدا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه »([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم .
وإن قيل : الحديث إنما جاء في الأبوين خاصة . قيل : الحديث خرج مخرج الغالب ، إذ الغالب المعتاد نشوء الطفل بين أبويه ، فإن فقد الأبوان أو أحدهما قام ولي الطفل من أقاربه مقامهما .
الوجه الثاني : أن الله سبحانه قطع الموالاة بين المسلمين والكفار ، وجعل المسلمين بعضهم أولياء بعض ، والكفار بعضهم أولياء بعض . والحضانة من أقوى أسباب الموالاة التي قطعها الله تعالى بين الفريقين . وقال أهل الرأي وابن القاسم وأبو ثور : تثبت الحضانة لها مع كفرها وإسلام الوالد ، واحتجوا بما روى النسائي في سننه ، من حديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ابنتي وهي فطيم أو شبهه ، وقال رافع : ابنتي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اقعد ناحية » وقال لها : « اقعدي ناحية » وقال لهما : « ادعواها » فمالت الصبية إلى أمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم اهدها » فمالت إلى أبيها فأخذها([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) . قالوا : ولأن الحضانة لأمرين : الرضاع ، وخدمة الطفل ، وكلاهما يجوز من الكافرة . قال الآخرون : هذا الحديث من رواية عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري الأوسي ، وقد ضعفه إمام العلل يحيى بن سعيد القطان، وكان سفيان الثوري يحمل عليه ، وضعف ابن المنذر الحديث ، وضعفه غيره ، وقد اضطرب في القصة ، فروى أن المخير كان بنتا ، وروى أنه كان ابنا .
وقال الشيخ في (المغني) : وأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ، ولا يثبته أهل النقل ، وفي إسناده مقال . قاله ابن المنذر . ثم إن الحديث قد يحتج به على صحة مذهب من اشترط الإسلام ، فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالهداية فمالت إلى أبيها ، وهذا يدل على أن كونها مع الكافر خلاف هدى الله الذي أراده من عباده ، ولو استقر جعلها مع أمها ، لكان فيه حجة ، بل أبطله الله سبحانه بدعوة رسوله . ومن العجب أنهم يقولون : لا حضانة للفاسق . فأي فسق أكبر من الكفر ، وأين الضرر المتوقع من الفاسق ب
حول تربية الأطفال وتعليم الجهال لِسَمَاحَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ عَبْدِ اللَّـهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جِبْرِيْنٍ