[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين بسم الله الرحمن الرحيم
مؤهلات الثقافة الإسلامية في بناء حضارة إنسانية
الحديث عن مؤهلات الثقافة الإسلامية لا يحتاج أن نبدأه بالسؤال هل هذه الثقافة قادرة على توليد بديل للحضارة المعاصرة، لأنه يكفي أن نفرق بين ثقافة نقل الازدهار المادي من قارة إلى أخرى، وثقافة توجيه الازدهار المادي لتنمية إنسانية البشر في كل قارة لنصل في النهاية إلى أن الثقافة الإسلامية قادرة على ذلك، إذ تستجمع الخصائص الآتية:
أولاً: تمتاز الثقافة الإسلامية بخاصية عدم الانتماء إلى قوم، لأنها لا تنتسب إلى أحد أو إلى جماعة من كبار المفكرين أو صغارهم انتساب الليبراليات الغربية والاقتصاديات الاشتراكية مثلاً إلى أصحابها المعينين. ولا تخلو ثقافة نسبية من عصبية قومية، وكل ثقافة كونية تحفظ بطبعها الشمولي مصالح استغراقية تعُمُّ كل الأقوام.
ثانياً: اختصت أصول العقيدة الإسلامية بالثبات الأزلي والخُلوِّ من التحريف، فامتازت بسريان جميع تعاليمها في الأديان السماوية السابقة. وبالتالي ارتفع التعارضُ بين الإسلام وما سبقه من الأديان المنزلة إلا من حيث المستحدثات اليهودية والنصرانية التي كانت السبب المباشر في تكوين الحضارة المادية المعاصرة.
ثالثاً: تشكل الثقافة الإسلامية، (بما تحتوي عليه من تراث فكري خلفه نظار من ذوي المنطلقات القرآنية)، تياراً فكرياً مستوفياً لجميع الخصائص المقومة لنقيضه المسيطر حالياً في (العلوم الوضعية) خاصة. ولكونه كذلك يستطيع أن يستوعب مفكرين كيفما كانت ثقافتهم العقدية، حتى إذا تأملوا وفكروا في إطاره أنتجوا فكراً ينتمي إلى الثقافة الإسلامية وإن لم يرغبوا في ذلك. وسوف نعود بعد حين إلى مقدمات هذا التيار الفكري وخصائصه التي تميزه عن مقابله.
اجتماع المواصفات الثلاثة في الثقافة الإسلامية أهلتها دون سواها لأن تولد، إذا توافرت شروط خارجية، حضارية مستقبلية توافق الطبيعة الإنسانية، بمعنى لا تكبتُ فطرة التعبد في الإنسان، ولا توجهها لاستعباد الأحرار، كما لا تشيئ البشر ولا تعمق أنوِيّتَهُ القائمة على اتخاذ الذات منطلقاً وتجاهل الآخر مطلقاً، بحيث لا يتحرك الفردُ في غير مصلحته، ولا يكف عن تنمية جبلة العدوان لضمان منفعته. ومن هذه الظواهر غير المرغوب فيها بالإجماع تُنتِجُ منها الحضارة المادية المعاصرة الشيء الكثير.
ـ العولمة أحد شروط تجاوزها:
بأي معنى تكون العولمة قد جمعت بين العلة المنشطة لتجاوز الليبرالية الجديدة وبين كونها شرطاً خارجياً لأن تنتج الثقافة الإسلامية نمطاً حضارياً مغايراً للنمط السائد حالياً؟ استهلال هذا المبحث بالسؤال المذكور يعني التعجيل بتحليل دلالات العولمة من أجل الكشف عن معنىً فيها يمتاز بتنشيط تجاوزها وإقامة بديل عنها.
لا شك في وجود مَن يشاطرنا استبهامَ العولمة، وأن الكثير مثلنا ما زال يتلمس الوسيلة التي تقرب من تصور دلالات هذا المصطلح الجديد المتشعب. ولعل اتساع مجالات استخدامه سبب في لبس معناه على المتخصصين قبل غيرهم. وفي مثل هذه الحالة غالباً ما يستنجد بالعبارة البلاغية لتشخيص المعان وتقريبها من الأذهان.
وفي هذا المضمار يمكن أن نستعين بالتشبيه المركب أو التمثيل، فنتصور العولمة من خلال تشبيه عالَمِ اليوم مع شعوبه التي تستوطن بلدانه برقعة شطرنج في خاناته بيادقها. وكان أوطان الأمم والشعوب مجرد أقاليم في (وطن عالمي)، وإلى هذا الوطن الشمولي يجب أن ينتسب كل مَن يعيش على الأرض. لكن مثل هذه العبارات البيانية لا تفيد شيئاً كبيراً بالنسبة إلى مَن يرغب في الكشف عما في العولمة من معنى ينشط إنشاء البدائل، ويعجل بتجاوز حضارتها المادية.
صديق المنتدىمحمد عادل